سوق المترجمين العرب (نموذج أولي لبزنسها). يتم التشغيل بواسطة Blogger.

الخميس، 13 نوفمبر 2014

رواية حب في خريف مائل‏ / قراءة نقدية

حب في خريف مائل



 

 

ان كل هدفي من مقالاتي النقدية- القليلة اصلا -هو ان ادفع بالكتّاب الجزائريين والعرب عموما الى احداث موجة boom  كالتي حدثت في ادب امريكا اللاتينية  القرن الماضي والتي دفعت العالم لاعتباره ادبا كونيا انسانيا ذو جودة عالية جدا بامتياز .. وبما اننا مثلهم دول عالم رابع عشر و حكمتنا دكتاتوريات كثيرة ونعيش ظروفا صعبة فانهم كنموذج تاريخي بقول لنا : ان هذا ممكن الحدوث .ان نكتب ادبا عالميا كونيا كبيرا..انا لا نقول ننسخ .بل نقول نكتب ونبدع .


 

و ما لم يكن حظك ككاتب نائما في مغاور التيبت مع غانية يابانية و لم يسمع بوجودك اصلا ، او كما نقول في بلدتي الاثيرة وادي سوف ان حظك (بارك عليه جِمل ) ، وليس جَمل بل "جِمل" وهذه هي لهجتنا التي تجعل اي شمالي جزائري يبتسم لما يسمعها غصبا عنه ! ، نقول ما لم يكن حظك مشغولا بهذين الشرطين فانك ان كنت تكتب ادبا جيدا فانه لا محالة سيظهر بشكل عالمي. ( الفكرة مشروحة اكثر وبدقة في مقدمة رواية النسيان للكاتب الكولومبي اكتور اباد فاسيولينسي).


 

لنباشر الان في نقدنا فنقول : تقول بعض اوصاف هذه الرواية انها "تخوض في قصة حب من نوع خاص، تتلبسها الإيروتيكا بعيدا عن كل إثارة قد يستدعيها هذا العالم" و اعتقد انه وصف القسيمي نفسه لها .. لكنني اُثرت لما قرأتها .. هي رواية مثيرة وهذا ليس سيئا بالنسبة لي ..الاصفهاني في الاغاني اثارني الابشيهي في المستطرف، التيفاشي .. كتاب رجوع الشيخ الى صباه وكتاب برهان العسل لسلوى النعيمي  الاثارة ليس عيبا ..، الامر الاخر في الوصف هو ان الرواية  "تخوض في قصة حب من نوع خاص،"وهذا الحب هو بين مومس ورجل عادي والان يمكننا استدعاء بول سارتر الذي يملك كتابا عنوانه "المومس الفاضلة" .. اذن المشاعر الانسانية واحدة سواء كنت جزائريا او فرنسيا .. قد يقول القسيمي الان انها لم تكن مومسا فاضلة .. رغم انه يقول في الرواية ان صديق البطل عبد الله يعتبر النساء تجسدا ماديا لله .. وهذا كلام صوفي عادي ومعروف في الادبيات ..اذ ان هناك عبارة واضحة لابن عربي تقول ( ان الله لا يتجلى مطلقا في التجريد ، اي في الامور غير المحسوسة و كل تجلياته انما تكون في الامور المادية واعظم تجلياته هي الانسان ) ولا داعي ان تُرع ان لم تفهم العبارات ..فبعض الروايات هي فقط عصرنة لعبارات كهذه ..ومنها الرواية البسيطة الساذجة قواعد العشق الاربعون لكن رواية حب في خريف مائل نجت من السطحية والرتابة لانها فعلا استثمرت عبارة بن عربي بشكل جيد جدا . لدينا تراث صوفي نحن نأخذ منه ولا نتكلم حتى عنه .


 

لذا فعبارة الناقدة رشيدة تاج  التي نشرها قسيمي في حائطه التي تقول " ماذا لو صادفت كتابا يعطيك تصورا عن الحياة، الحب، الله والإيمان بطريقة لم تتخيل أن تمثل هذه الكلمات أو تصفها بالبساطة العميقة التي وجدت مكتوبة بها " انصحها بكل ود وحب ان تقرا لابن عربي و للرومي .. "بطريقة لم تتخيلها" ؟؟ هذه مبالغة واضحة .. والموضوعية تقول ان هناك نَفَسا قسيميا واسلوبا واضحا له –لكنه لم ينضج بعد – لكن ليس بطريقة لم نتخيلها ..فالسيد سليمان الحكيم كان حكيما فعلا وكتب في التوراة (لا جديد تحت الشمس ) وكل الجديد الان كما قال نجيب سرور انما في كيفية تقديمه وحسب. فالجديد في طريقة واسلوب تقديمة اما المواضيع فالكتّاب المصريون بالهيروغليفية منذ 6 الاف سنة اوصلوا لنا عبارة ان كاتبا ما كتب ضجرا يقول ان الاولين كانوا قد طرقوا كل المواضيع وكتبوا كل شيء. زد عبارات بعض النقاد الاخرين يصفون الرواية بالكوزموبوليتانية وهو وصف مقدس لدي لاي عمل ادبي و اكره ابتذال استعماله ..وكي نعرف ان الرواية ليست كوزموبوليتانية بتلك الدرجة اقرأ :


- دفتر مايا . ايزابيل اللندي


- رواية النسيان للكاتب الكولومبي اكتور اباد فاسيولينسي


-  ساعي بريد نيرودا - أنطونيو سكارميتا



و ستعرف ان هذه الرواية غير كونية عالمية . لانها لو كانت كذلك لكانت مثل الروايات التي ذكرت لك اسمائها الان او افضل وبما انها في ذوقي لم تلحقها فانها ليست كوزموبوليتانية اي كونية عالمية .


 

وطبعا لن ارد على كل كلام النقد الذي ورد حول الرواية و الذي كان مبالغا فيه بشكل كبير والا لكتبت دراسة حول الموضوع -وانا صدقوني- لأسباب صحية لا اريد ذلك .


 

كل ما ادين له لقسيمي هو انه لم يضيع وقتي برواية تتحدث عن العشرية السوداء او الاستعمار او عن هروب لاوروبا او لبنان ..وبدايته في الادب العربي والجزائري لقصة مختلفة بنوع اخر شيء جيد ، وان كانت لي عنها انتقادات ادبية (سلبية وايجابية )  ابسطها جليا في هذا المقال .


 

العديد من الاصدقاء والقراء العرب تأثروا سلباً برواية حب في خريف مائل ، نظرا لوجود بناء ايروتيكي فيها (يحكي المغامرة العاطفية لشيخ بائس- الشيخ هو البائس وليست الرواية ) ..، لكن هذا الأمر ليس جديدا على العالم العربي  الذي غالبا ما تثار ضجة حول الموضوع لما يظهر ، مثلما حدث مع رواية برهان العسل لسلوى النعيمي والتي وصفت بأقذع الاوصاف وسمعت مؤخرا ان متجر الابل –صانع الايفون – قد قام بحظرها دون سبب واضح .والان لو طلبتم رايي فان برهان العسل افضل فنيا وادبيا من رواية حب في خريف مائل . ذلك ان هذه الرواية غير ناضجة ادبيا –ليس بالمعنى البيولوجي انها رواية مراهقين – لا . لا يوجد فيها ذلك النضج الادبي الذي نلمحه في عناوين وكتب جيدة .


ابتداءً من العنوان (حب في ..) توجد قائمة كبيرة (حب في زمن الكوليرا ) للأمجد ماركيز . وحب في ازمان اخرى و حبوب في اماكن متعددة...حبوب حبوب ..موجودة في كل مكان ! ،  ان العنوان نفسه بحد ذاته تمت (تهريته ) ..


 

قسيمي في صفحة فيسبوك خاصة بالرواية نشر مقطعا منها مضيفا له عبارة انها" لن تروق لعبدة الحدود" . وعبدة الحدود هؤلاء هم الرجعيون في نظره ..لكن هذه ليست عبارة ادبية بحتة يعني من المفترض ان تحذف في رأيي .. ان تكتب ادبا ايروتيكا شيء عادي بالنسبة لي لاننا لم نعد في عصر الكبت –فالكل يشاهد ويسمع – ولم يعد هناك جديد . اشكالية وازمة عصرنا اننا اصبحنا في عصر "ممل ومضجر" .الطابوهات لا معنى لها في عصر النت .. ولا حتى في غيره- من قبل- نسبيا .. فحتى لو نشأتَ في زاوية دينية فكُتب السيوطي و التيفاشي  والابشيهي تفي بالغرض ما لم يكن لديك الكاماسوترا نفسه .. وصدقني لقد قرات في سن الـ 13 الف ليلة وليلة النسخة الكاملة الاصلية والاغاني كله ولن يمنعك احد مع ان ابي كان صارما لدرجة جحيمية .حيث قلت مرة لما قرات (رسالة الى الوالد ) لكافكا ان هرمان والد كافكا هو انسان طيب جدا بالمقارنة مع ابي . لنعد ونقول ان هذه الكتب ستعلمك كل شيء تحتاجه وبلا ابتذال موجود في عصورنا هذه .


الان انا شخصيا لدي مشكلة ادبية هنا . و كي نحيط بأبعاد مشكلتي الادبية سأحاول ان اجعل الامور سؤال وجواب .


 

سؤال : لماذا تثير يا عم يونس هذا الامر لدى كاتب جزائري روائي بدأ يبزغ نجمه –على حد تعبير بعض النقاد الذين هم اصدقاء الكاتب – وتسكت على الرسائل الاباحية التي تنتمي لادب الــ  sexting اي ادب الرسائل القصيرة الحميمية التي كتبها هرم الادب : جيمس جويس ، لماذا لا تكتب مقالا حول تلك الامور ؟؟ او انه لما كان القسيمي جزائريا بدأت تفتي في الادب ؟


الجواب : و قبل ان ابدا به انا جعلتُ السؤال هكذا عمدا كي اصل الى ما في ذهن القراء من الاعتراضات كي اجيب عليها . الجواب هو : هناك فرق بين كتابات جيمس جويس وغيره الذي اُجلّه في الادب وبين قسيمي مثلا ، ربما بعض النقاد العتيدين سيرى المقارنة نفسها مجحفة جدا بحق جويس لكن دعونا نتجاوز .و لاقل لكم الفروق :


-رسائل جيمس جويس الاباحية لم تكن علنية .


-رسائله كانت موجهة لامرأته وليس لعاهرة .


وهذين الفرقين هما الاساسيان لدي . فان تحكي عن شيخ عجوز يمارس الجنس مع عاهرة في مركبته التي يقل بها المسافرين لما تخلو المحطة، امر فيه مشكل لان الفطرة نفسها تكره الشيوخ الذين يمارسون الجنس . بل ان البعض خرج من الدين سواءً علنا او سِرا فقط لان النبي محمد عليه السلام تزوج بفتاة صغيرة . و دعونا لا نتوسع في الامر هذا بالتحديد لأني لا اريد ان افتح نقاشا لاهوتيا هنا .


 

و ربما تكلمنا في السطور الاول عن النَفَس القسيمي وانه جيد وعن الروح الشعري الموجود والموهبة .. وكي اقرب لقرائي الفكرة عن الموضوع اخترتُ نصا له يوضح نَفَسه بشكل خاص ولا يتماهى مع امور اخرى او يمكن ان تنسبه الى اي كاتب اخر :


 

" حرزت وأنا أشاهدها تلتهم دجاجة ونصف أنها جاءت لموعدنا ببطن خاوٍ. كان منظرها كذلك مهيبا إلى أقصى حد، حتى أنني أعتقد أنه حري باللاهوتيين أن يدرجوه في محاضراتهم كلما تحدثوا عن الخشوع. فوقتما كانت تدس قطع الدجاج في فمها (الذي حين فتحته اتسع لربع دجاجة) تحلل وجودي معها حتى بدا لي أنني صرت لامرئيا تماما. وأحسب أن بقية من كانوا في المطعم (وقد كان مكتظا) ابتلعهم العدم أيضا وهي في خشوعها ذاك. وعلى عكس ما تعتقد فلم يحرجني هذا الموقف، فقد كان تفكيري ساعتها مشغولا بأمرين لا ثالث لهما: من منا سيدفع فاتورة المطعم، وهل ستكون بنفس الشراهة حين أضاجعها لاحقا. "  رواية حب في خريف مائل .


 

ساتكلم الان عن الادب . و "رواية حب في خريف مائل" ذكية في استعمال ضمير المتكلم الذي يسّرع في عملية اندماج القاريء في القصة و لاقل الايجابيات والسلبيات كي نكون عادلين وواضحين :


-هذا النوع من الادب خاصة في الادب الجزائري . خطوة ضرورية يجب ان نمر عليها .لكنه لن يكون عالميا او كوزموبوليتانيا .انه جيل فقط يحضر للجيل القادم الذي سيكتب روايات بقامات رفيعة مثل انطونيو تابوكي .ايتالو كالفينو .بورخيس .وميلان كونديرا.وايكو وايزابيل الليندي .


-هذه المواضيع مهمة لرؤية الشارع الجزائري من الداخل رغم ان اصدقائي يمتلكون قصصا شفهية افضل واعمق منها واكثر تشويقا .انها مهمة ليست لي . لكن اللبناني والعراقي والمصري الذين تعرفنا على ادابهم بشكل كبير لا يعرفون حتى –كيف يمارس الجزائريون الجنس ..- هنا امين الزاوي يقول لك في "سر النحلة" ان الجزائريين في الثمانينات كانوا يمارسون بكل اعتيادية الجنس الفموي .امراة تحفظ البخاري واحاديث وتتنازعها هوية ثقافية متشظية بين الامازيغ والعرب والالحاد-الدين ، تمارس الجنس مع زوجها وهما يصرخان من فرط اللذة ! . "جميل" هذا ما يقول يونس المهذب الذي يقبع بعباءة شيطانية داخلي .لكني اقول مجددا :هذا ليس ادبا اضافة الى اني لا اؤمن ان الجزائريين في عصر الثمانينات كانوا يمارسون الجنس الفموي .


-في التقنيات الروائية المستعملة في هذه الرواية . استعمال ضمير المتكلم تم ببراعة . والسرد هاديء و حيّ وله نبرة قسيمية واضحة المعالم . الموهبة ودعوني لا انكر ذلك : موجودة ويمكن ان تثمر.لان الحالم وهذه الرواية ما هي الا بدايات لقادم تنتمى ان يكون افضل .ولما لا فانا من معشر المتفائلين .



وهنا دعوني اصدقائي استرسل قليلا في الموضوع الايروتيكي هذا .الذي ارق الكثير من الشباب القراء . كنت في روايتي القصيرة  اللاشيء قد خصصت له نصا طويلا مهما حول الموضوع ..اني رجل احب العفة واقدس الوفاء. احب جدا ان يكون الانسان وفيا وبالاخص لشريكه .المشكل هو ان الروائيون يقولون لك بشكل غير مباشر عبر الروايات "نحن نعرض هذا كي لا تمارس مثله" . وهم لم يقولوا ذلك قط . بل يقولون بعبارة او اخرى "مارس مثله" .


مثال في رواية قسيمي هذه يقول البطل ان له صديق يعشق امران المرسيدس والنساء ويقول انه لا مشكلة ان يكون المرء نكّاحا ومتدينا .. لهذا مات الصديق مع امرأة في سيارة مرسيدس .. هذه القصة ربما تفجع البعض لكنها لم تفعل معي لان هناك قصة اوردها التراث العربي لاحد التابعين لما يدخل على جاريته يقول بصوت عالي (اللهم قوِّ ذَكَري ) ويقول لك الكِتاب بكل براءة بعدها : وكان رحمه الله جهوري الصوت فيُسمع ذلك منه .


والدعاء الذي يقوله التابعي الطيب كطقس حميمي اثناء الممارسة طويل نوعا ما تذكرتُ منه فقط هذا المقطع .


الرواية لم تكن مقذعة كما يعتبرها البعض أو تكسر طابوهات خيالية فنتازية غير موجودة .. فالكثير من الشباب في العاصمة يفعلونها مع الشابات في شواطيء البحر المهجورة دون ان يقراوا حرفا من هذه الرواية.



اعتقد ان النقطتين السابقتين هي نقاط القوة في رواية حب في خريف مائل وبالتالي نذهب الى نقاط السلب :وهي


-ضعف السرد والتركيب البنائي للقصة .على حساب الاوصاف والتركيز على مهمة كسر الطابوهات التي هي ليست مهمة الفنان في نظري ابدا . الفنان او الكاتب الاديب يكتب كما يُلهم وحسب . ولا هم له لا بطابو ولا دين ولا غيره .. لان الدين نفسه اعطاه مساحة يفجر فيها ابداعه بجعله انسانا مميزا خصه الحق بسورة الشعراء. و قصص الشعراء مع سيدنا عمر والخلفاء معروفة .وان قلت لي ذلك الشعر وليس الرواية اقول لك ان العظيم اب الرواية الروسية والعالمية غوغول يقول ان روايته (النفوس الميتة )التي هي من اروع ما قرأت يقول عنها انها قصيدة وهي رواية ..الشعر هو روح الادب . كافكا ايضا يسميه الالمان شاعرا ليس عن جهل بل لانه يمتلك الروح الشعرية .وهذا ما سنفصله في مقال محكم اعمل عليه من فترة عن الالتزام الفني في الادب .


-ضُعف العنوان .لتكراره ولعبه على تيمة (حب في ..)


هذا هو ما رأيته وما اعتقده .. ولما طال هذا المقال في رواية واحدة للقسيمي فاني ساكتب عن رواية الحالم مرة اخرى بحول الله .

0 التعليقات :

إرسال تعليق